الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

الكوتا ومطالب النساء

مع تسارع وتيرة مخرجات الحوار الوطني هناك سباق محموم في الزمن بين مطالب النساء العادلة وبين هذه المخرجات من ان تتحول هذه المطالب إما إلى صيغ دستورية عادلة للمرأة وإما تكون حبيسة الادراج لا ترى النور الا بعد عقود طويلة من الزمن . 
هذا السباق والمعاناة التي تعانيها المرأة اليوم من اجل قضية عادلة ومنصفة لها وللاجيال القادمة من النساء طالبت المرأة اليوم بنص دستوري واضح لا لبس فيه, يعطيها الحق في تواجدها كشريك فاعل في مواقع صنع القرار بنسبة 30% فأكثر في سلطات الدولة التشريعية والتنفيدية والقضائية وفي لجنة صياغة الستور وعلى مستوى الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
وعلى الرغم من صدور قرار من القيادة السياسية ممثلة برئيس الجمهورية مشكوراً باعطائها هذا الحق المكتسب بجهودها ونضالاتها السابقة والتي لا تزال تناضل حتى الان ، الاأن المرأة اليمنية تصر على تضمين مطالب النساء في مخرجات الحوار الوطني من خلال وضع الحقوق السياسية للمرأة كنصوص في دستور اليمن الجديد بما لايقل عن 30% في السلطات الثلاث
وعلى الرغم من التأكد في هذه المرحلة بضمان ال 30% في السلطة التشريعية الا انه يجب على المرأة الا تركن فقط على مخرجات الحوار الوطني ، بل عليها ايضاً أن تلعب دوراًسياسيا فاعلاً فيما بعد الحوارمن خلال جعل هذه المخرجات واقعاً ملموساً على ارض الواقع متمثلاً في نصوص دستورية واضحة تعطي المرأة حقها الكامل غير منقوص بمطالبها العادلة.
لذلك فإني أناشد زملائي ،زميلاتي ،أبنائي الطلبة، وبناتي الطالبات أن يصطفوا صفاً واحداًعادلاً ومنصفاً مع قضايا المرأة العادلة ومناصرتها ، فلا تنسى انها والدتك واختك وزوجتك وابنتك . فأعمل لهذا حتى تعيش بكرامة وعز فقد أعزها الله بان خلقها واياكم من نفس واحدة. فلاتكن أنت أو انتي من يخالف شريعة الله في حقها وأملها في غذ أفضل ومستقبل مشرق.
د . أشواق غليس

خواطر في حب اليمن .. عودة للاندماج

 إنّ ولاء الأفراد في أي مجتمع يُعتبر أحد مؤشرات الاندماج القومي في المجتمع الذي يتمتع بدرجة عالية من الاندماج يدين أفراده بالولاء المطلق للدولة، وهذا يرتبط بالثقافة السياسية.

 فالمجتمعات التي تسودها ثقافة سياسة تقليدية يغلب ولاء أفرادها على الأسرة أو الجماعة أو القبيلة أو الحزب، وهو ما يسمى بالولاء المحلي أو الفرعي.

 وقد تجذّر هذا الولاء في ثقافة المجتمع اليمني منذ مئات السنيين، فاكتسب الولاء صفة المحلية لا القومية (الدولة)، فظهر هذا جلياً في السمة الثقافية للشعب اليمني في شطري الوطن.

في جنوب اليمن على الرغم من وجود مظاهر دولة في عهد الاحتلال البريطاني، وإن كانت هشة المعالم متمثلة في صورة الاحتلال، وفي وجود سلطنات في خارج مساحة عدن الصغيرة، والتي كان يتحكم بها سلاطين يعينون الاحتلال على حل المشاكل إن استجد أمر ما عصى المحتل، فاكتسب الولاء صفة الانقسام بين المحتل وبين السلاطين آنذاك.

وعندما رحل الاستعمار البريطاني عن جنوب الوطن كان من الطبيعي أن يُخلف وراءه عدد من المشكلات من بينها أزمة عدم الاندماج القومي وحتى المحلي بعد أن غذاها وعمل على ترسيبها في النفوس عندما سلم الجنوب للجبة القومية ذات الانتماء الاشتراكي إتباعاً لسياسة "فرق تسد"، على الرغم من علمه التام أن في شمال الوطن اتجاه ليبرالي موافق لانتماء وولاء دول الجوار للغرب، مما أوجد تطوراً جديداً للهوية المحلية الضيقة لكل شطر . ففي جنوب الوطن عمل الحزب الاشتراكي جاهداً على توحيد المجتمع من محورين؛ إخضاعه لنمط حياة روتينية، مشتركة، وغرس قيم ومبادئ اشتراكية من خلال التثقيف الاشتراكي .

وفي شمال الوطن، على الرغم من التخلص من نظام الإمامة إلا أن التشبث بقيم المجتمع القبلي وعلاقاته بالجوار أوجد نظاماً مغايراً تماماً لنظام الجنوب في أيديولوجياته وتوجهاته مما ساعد على غرس ثقافة شرطية، أدخلت اليمن في حروب على مدى ثلاثة عقود من الزمن ناهيك عن المصالح الضيقة للحكام في الشطرين، بيد أن هذه العوامل الهادمة لم تقض على مشاعر الهوية اليمنية الموحدة لدى موطنين اليمن في الجنوب والشمال . فأهالي الشطر الجنوبي كان أغلبهم ينتمون إلى القرى الصغيرة في الشمال، وفي الشطر الشمالي كان كثير منهم قد حل بعد أن هرب من أوضاع الجنوب، فسارع الكل إلى مباركة الوحدة الوطنية .

وعلى الرغم من صراع طرفي السلطة في الدولتين لبسط السيطرة، والذي أدى إلى حرب 94 التي لم تمنع جنوب الوطن من مساندة الوحدة الوطنية والسير قدماً في تثبيتها، لكن ما حدث بعد ذلك أن الفساد والظلم الذي طال أهل جنوب الوطن من إقصاء وتهميش لكوادر متخصصة في الجيش ومدربة تدريباً عالياً، وفي كثير من المجالات الحيوية التي أحالوها للتقاعد، وتوزيع غير عادل في المناصب والمؤسسات الدستورية، وبسط السيطرة على أراضِ واسعة، وعقود شركات بترول بملايين الدولارات انصبت في بطون شركات تعود ملكيتها لأفراد في شمال الوطن، وهي موارد يعتبر أهل جنوب الوطن أنهم الأحق بها؛ لأنها في أراضيهم ولم ينتفعوا بها ولم يحققوا الرفاهية التي كانوا يطمعون العيش فيها في دولة الواحدة التي سعوا إلى مساندتها وحمايتها، وما كان هذا أن يحدث إلا تحت مظلة دولة الوحدة اليمنية، مما افقد المواطن في الجنوب ثقته فيها، وفي تنفيذ أي قرار يُتخذ من صانع القرار .

ومن باب الأمانة القول إن الشطر الشمالي من الوطن عانى أيضا من الفساد والظلم الاجتماعي والتفاوت الرهيب بين الطبقات، فلم نعد نرى الطبقة المتوسطة، حيث طُمست، فصار على مرأى العين فقر شديد وغناء فاحش، الأمر الذي أوغر قلوب اليمنيين في الشطرين، وإن كان الشطر الجنوبي يشعر بتفاقم معاناته، فقد كان يعاني في السابق ولم يحقق المأمول في الحاضر، خصوصاً وشعوره أن موارده ومقدراته النفطية والمائية لم يُعد هو المستفيد منها، وإن ما حدث من تقديم مشروعات في الطرقات والمباني، المستفيد من عائداتها كان أيضا مستثمرو الشطر الشمالي، وأن حياته لم تزد إلا فقراً مع زيادة الغلاء وارتفاع الأسعار التي لم يكن يلاحظها في السابق، وأن ما حدث من رفاهية براقة تمثلت في مشاريع التسوق لم تزده إلا استهلاكاً وفقراً وحرماناً حتى من القدرة على التسوق .

هذا الشعور بالغبن والمعانات من قبلهم أدى إلا التحول عن فكرة الاندماج والولاء للدولة الموحدة الوليدة إلى ظهور ما عُرف بالحراك الجنوبي الذي تغذيه مصالح وقوى مستفيدة، وناس خلطت معاناتها مع مصالح هذه القوى .

إلا أن ما يثلج الصدر ويهوّن الأمر على الشعب اليمني المثقل بالهموم أن النزعات الخاصة ذات الميول الانفصالية قاصرة على جماعات معينة، والتي تعبر عن ثقافة فرعية وليست ثقافة جامعة شاملة لفئات المجتمع اليمني، مما يستدعي بالضرورة أن يحدث اندماج ثقافي يحول التعدد الثقافي في اليمن إلى تنوع وتجانس ثقافي عالي الدرجة، وهذا لن يحدث إلا بحل مشاكل التعدد الثقافي وأهمها :
- غياب العدالة الاجتماعية التي يعاني منها جنوب الوطن .
- مدى وجود قيم ومعايير سياسية واحدة في إطار المجتمع اليمني ككل والتي يشكو منها المواطن في جنوب الوطن .
- وجود فجوات ثقافية بين النخبة من شمال اليمن والمواطنين في جنوب اليمن .

إن مثل هذه المشاكل تنعكس سلباً على التوصل إلى الاتفاق في الأهداف والوسائل التي يجب على النظام السياسي اليمني العمل على تحقيقها، والتي يشعر المواطن في جنوب الوطن أنه لم يحصل على أي منها، وأن الداء يكمن في عدم وجود قيم ومعايير سياسية واحدة تتمثل في وجود مؤسسات سياسية قوية وآليات تعمل على سن قوانين ملزمة تلزم الجميع بها، وعلى قدم المساواة. وأن تكون هناك إرادة عامة وطنية ترغب حقيقة في حوار وطني يزيل كل المشاكل المعوقة لاستمرار دولة مثقلة بتبعات سياسات ضيّقة تنم عن مصالح جهات وفئات لا يهمها هذا الشعب الذي يرزح تحت الظلم لسنين طويلة. وأن تتخذ إجراءات عملية لتثبيت الرؤى والأفكار وتنفيذها، والتي تدعم بقاء وتنمية اليمن الموحد:

1-  لا بُد من اتفاق الجميع على إرساء ودعم مؤسسات سياسية قوية قادرة على كسب ولاء المواطنين واكتسابها شرعية ذاتية.
2-  إيجاد آليات لتطبيق القانون على الجميع وعلى حد سواء، وهناك عدد من الإجراءات التي لو طُبّقت ستعمل على نجاح السياسات التي ستدعم استمرار وتنمية دولة الوحدة.
3-  تدعيم هذه الرؤى في منظومة متكاملة من السياسات والإجراءات وطرق حماية هذه السياسات.
4-  الشفافية فيما يخص هذه المنظومة حتى يعلم الجميع حقيقة ما يجري فعلياً من إنجازات أو من مؤامرات - إن وجدت- بعد ذلك لإعادة الإيمان والثقة بالوحدة اليمنية.
5-  التوقف عن التهديد بالنزعات الانفصالية واستغلال ورقة الحراك الجنوبي من أجل الضغط لتنفيذ الرغبات والطلبات المستحيلة.
6-  محاولة الجميع لتحقيق التوازن بين واقع الوحدة ،الذي لا سبيل إلى تغييره مهما سيكلف من تضحيات، وبين الأماني والمطالب المأمولة من قيام الوحدة اليمنية، والتي لا بُد أن تتركز في أهم المسائل، وهي الإصرار على قيام مؤسسات سياسية قوية تحقق العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتُرسي القواعد القانونية الملزمة للجميع.

بهذا وحده فقط يجب أن يتفق الجميع عليه، حتى يخرج حوار اليمنيين من عنق الزجاجة إلى طريق يملأه الخير...
يا أهل اليمن أحبوا يمنكم....كفاه عذاباً.

المصدر أونلاين

طباعةإرسال

 109 
  3  0 Google +10 
 

تعليقات القراء

1- صنعاء

لطيفة عبدالله
صحيح كلامك يا دكتورة ,حيث مازال الكثير في اليمن متعلقين بالولاءات العائلية والأسرية " أي الولاء مادون الدولة " إلى جانب النزاعة المناطقية ..والآن ظهر النزاعة المذهبية الغريبة على المجتمع اليمني..كل هذا أدى إلى ضعف الدولة ودورها ...

شارك برأيك

لديك 1000 حرف لكتابة التعليق

الاسلام وتصور السلطة السياسية

الإسلام و تصور السلطة السياسية
                                                                           د . أشواق غُليس
أن مفهوم السلطة السياسية في الإسلام إنما يرتكز على المفهوم المطلق للسلطة كمفهوم رئيس٬ نابع من أن السلطة في مفهومها العام هي ملك لله سبحانه و تعالى. وهي سلطة على الكون كله. وأن السلطة السياسية كمفهوم فرعي، ليست سلطة  إلهيه كهنوتية ،إنما هي سلطة أساسها مفهوم الإستخلاف على الأرض الذي حثنا عليه القران الكريم٬ لعمران الأرض والرقي بالإنسان  إلي أعلى المراتب في الوجود٬ فجعل مسألة الكرامة فطرة مجبولة في الأنسان ،وجعل الحاكم أميناً عليها وعيناً حارسة لراحة الأنسان ومقيماً للعدالة وعمران الأرض ومنفذاً للشرع.وهي بهذا سلطة منفذة لأحكام الشريعة، مدنية المؤسسات  بحسب مقتضيات الزمان والمكان . وعلى اساس ما سبق فسلطة الحاكم تتأسس على مضمونين؛ مضمون عقائدي يتمثل في إن المسائل السياسية بما فيها السلطة السياسية هي من فروع الإسلام و ليست من أصوله و بالتالي شكل السلطة و ممارستها ليست من الأمور الحدية التي لا يتم الأمر إلا به. وبهذا المعنى يصير من حق الحاكم والمحكوم معاً أن يديرا السلطة بالطريقة التي تعمل على تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية و مقاصد الشريعة وتحقيق الشورى و العدل و المساواة و الحرية و كل المبادئ الإسلامية ولذلك فإن من يقولون أن الديموقراطية حرام يشوب فكرهم القصور، فقد حدثت مستجدات في الزمان والمكان٬ أختلف فيه العصر النبوي عن الراشدي  والأموي والعباسي٬ فما بالنا في هذا الزمان و المكان ولذلك فأي ممارسة لشكل الحكم في الحدود التي تطبق فيها أحكام الشريعة الإسلامية فهي صحيحة و وسيلتها أيضا صحيحة. فالديموقراطية ماهي إلا آلية للتعبير عن الشورى في جانبها السياسي و أن التعبير الحقيقي عن شرعية الحاكم إنما يكون في التزام الحاكم بالشريعة  الإسلامية في جوانبها المتعددة الحكمية و التشريعية بمعنى ضرورة اتفاق كافة القوانين الحاكمة مع مقاصد الشريعة الإسلامية و أحكامها، وأن هذا الاتفاق يُعبر عنه ممارسة الأليات المنفذة لتلك القوانين المُتفق عليها بالأساليب الديموقراطية. وأما المضمون السياسي لمفهوم السلطة السياسية فيتمحور حول مفهوم الأمة التي هي الأساس الأول في تصور الحقيقة السياسية "السلطة السياسية"٬ في شرعية وجودها في الحكم و في شرعية استمرارها ،ولن يشعر الحاكم بالأمان والاستقرار في حكمه إلا برضا الأمة و شرعيتها الدامغة لقراراته، وأن العالم كله لو أستعداه ما أستطاع أن ينال منه شعرة واحدة وما أستطاع أن يزيحه عن كرسي الحكم قيد أنملة٬ لوكان رضا الأمة هو أساس حكمه٬ والصدق و العدالة و الحرية والمساواة والشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مبادئ أساسية في حكمه.
أن مصداقية الحاكم لشعبه تتمثل في؛ صدقه و أمانته معهم وفي أخذ مشورتهم و نصحهم٬ وفي مراعاة مالهم العام٬ و عدم احتجابه عنهم و سعيه الحثيث في حب شعبه واحترام و صون كرامته٬ وهذا إنما يتمثل في التالي :ـ  مشاركة كل الأمة في توزيع السلطة و الثروة فلا تكون حكرا علي جهة أو فئة أو طائفة واحدة على حساب الأخريات وإنما يكون المعيار بحسب الكفاءة والأمانة في العمل٬ فإن ظهر عكس ذلك يتم استبدالهم بكفاءات فاعلة٬ لا بإعادة تدويرهم في دائرة أخرى ومن مكان لآخر، وتظل الأمة في حلقة مفرغة٬ بالضبط مثلما يحدث مع المنتج الذي يتم استخدامه مرة واحدة ثم يعاد تدويره وإنتاجه.       ـأن يعمل على إنشاء مؤسسات جديدة تدعم وتقوي و تفعل من اداء المؤسسات السابقة وترسي قواعد قانونية تنمي المجتمعات الاسلامية و ترفع شأنها.                                                                                                                 -أن يعمل علي صرف الموارد المالية بطريقة عادلة تجعل الشعب راض عن أدائه.
-مراقبة الأمور عن قرب و ترقب والانقضاض على كل من يتلاعب و يتهاون في حق الأمة و مقدراتها (الشفافية) فعلى الحاكم أن يعي أن الثقة التي تنشأ من العلاقة الصادقة بينه و بين الأمة إنما تبنى من انفتاح الحاكم على أفراد شعبه و عرض كل الأمور أمامهم بوضوح و شفافية ،و على الأمة مجتمعة (ليس فقط، حزبه، قبيلته، عشيرته، اقاربه) ،أن تبادله هـذا التفهم وتستوعبه و تقف إلي جواره و تعمل على مساندة كل الخطط و القرارات التي يجب عليهم جميعا  تنفيذها  معاً.
-أن عدل الحاكم يقتضي منه تنفيذ الحدود الشرعية بكل حزم (قضاء عادل والكل سواء امام القانون) فهذا يحفظ الأمن والأمان و الاستقرار٬ بل لابد أن يمتد عدله ليشمل الجانب الوقائي وهو معرفة الحلال و تيسيره و معرفة الحرام و سد منافذه.
-علي الحاكم و المحكوم الحكومة والاحزاب و المنظمات، عليهم جميعا أن يعوا أن الشعب كله بجميع فئاته و مناطقه و مذاهبه أنما هم تحت أمرة الحق و عدل الحاكم٬ يسوسهم كما يسوس الأب العادل أبنائه لا يفرق بين أحد منهم ولا يستقوي بأقاربه    وعشيرته و حزبه على الاطراف الأخرى. فالديموقراطية ابدا لن تكون مجالا للأحقاد و التطاحن بين أبناء شعبه اذا ما ساوى بينهم و مورست عملية الديموقراطية في الاتجاه الصحيح٬ و هذا لن يكون إلا بالقدرة على إدارة الشأن السياسي. فالأمة قد  عقدت بيعة التفويض للحاكم في إدارة الشأن السياسي ،وهو يعني القدرة على صنع القاعدة الشرعية "القرار السياسي". فالآية الكريمة تعبر عن هذا الأمر ،بقوله تعالي "و إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول و إلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم "النساء 83. فالآية هنا تنسب مهمة الاستنباط "الاجتهاد" أي صنع القرار السياسي إلي أولي الأمر ولا يعني هذا أن يكون الفرد المطلق و لكن لمجموع الأمة وهو ما يسمى الان بالمفهوم المؤسسي مجلس النواب" البرلمان" وهذا هو ما يحقق رضاء الأمة تطييباً لقلوب أفرادها ممن تتوافر فيهم الكفاءة و العلم بمقتضيات الأمور و النزاهة بحيث يتحقق في المؤسسة التي من تكامل تخصصاتها العلمية المتنوعة؛ شرعية٬ فنية٬ تخصصية٬ وتقنية٬ يتحقق مفهوم المجتهد الفرد الذي يعمل علي صنع القرار "القاعدة القانونية". بمعناه الأصولي المسمى "بالإجتهاد "و الذي هو تفاعل بين كافة المشاركين في تقرير السياسات العامة العاجلة والآجلة و التي ترتبط بالمصالح العامة. وهذاما يقوم به ممثلوا الأمة في مجلس النواب من فقهاء وعلماء و نواب أفراداً و جماعات باستنباط  قواعد قانونية  وتنفيذها وفق القران والسنة و ما يوافق مقتضي العقل وهو ما يطلق عليه القياس. ومن هنا وجب على الحاكم العادل أن يتحقق ممن تتوفر فيه شروط صانع القرار وممثل الأمة في صنع القواعد القانونية باعتبارها أهم وظيفة من وظائف النظام السياسي وتتمثل في شرطين اساسيين؛         -أن يجمع صانع القرار بين العلم بالأحكام الشرعية و العلوم المعاصرة الحديثة بالإضافة  إلي القدرة علي الرؤية المستقبلية المسماة  " بفقه المألآت " حتى يتمكن من استنباط الأحكام من نصوص الوحي للوقائع المتجددة و المصالح المتغيرة و علاقات القوة.
-تحصيل الخبرة الفنية وهو علم يتعلق بالمصلحة و فن السياسة ،التي تتطلب معرفة الواقع والظروف و المشكلات وعلى اساسها تُتخذ القرارات.
أن هذين الشرطين في تحديد القدرة على اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بالأمة إنما ارتبطا أساسا بمسألة الأمانة و العدالة فقد قال تعالى " إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الأنسان إنه كان ظلوما جهولا"الأحزاب72، وقال تعالى "واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"النساء58
ولما كتب على الأمة المسلمة الشهادة و الوسطية و أمانة الاستخلاف ، مكنها الله تعالى من ان تكون صاحبة السيادة و السلطان فقد قال تعالى "و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا"البقرة143. وقال الرسول صلى الله عليه و سلم "لا تجتمع امتي على ضلالة" فكان لزاما على الأمة أمانة اختيار من ينوب عنها ممثلا في حاكم أو نواب أو موظفي عموم ,و أمانة مراقبة عملهم و أدائهم للسلطة.
أن هذه الإنابة  لم تكن يوما نيابة مصلحة للحصول على السلطة و إنما هي نيابة شرعية مصدرها نص قرآني يقول الله تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هو المفلحون" آل عمران104.اذن هناك الوسطية التي تعني العدل و الاعتدال٬ فالعدل ضد الجور و الظلم وهناك التأمر بالمعروف و التناهي عن المنكر وهما من الصفات التي يجب أن يتقلدها صانع القرار و صاحب السلطة .
أن وسطية الحاكم تعطيه المصداقية بين أفراد الأمة أنهم لن يضاموا أبدا وبين أظهرهم حاكم عادل يأمر بالعروف و ينهي عن المنكر. و من هنا وجبت الطاعة للحاكم ظاهرا و باطنا مادام مؤديا قائما بحق الله و حق الرعية فقد قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم"النساء59 فالطاعة واجبة لأولى الأمر (منكم ) يا أمة الإسلام ما داموا طائعين لله و للرسول. و الطاعة تستوجب الرضا و الاتفاق وتستنفر الاختلاف المذموم٬ على الرغم من أن الاختلاف مطبوع في الفطرة. فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " اختلاف أمتي رحمة". إلا أنه اختلاف يؤدي إلي الاتفاق والوفاء بمقتضيات العقد بين الحاكم و المحكوم٬ و اختلاف القوة في أداء الحقوق و الواجبات و ليس القوة مقابل الضعف (امتلاك الحاكم لمصادر القوة مقابل ضعف المحكوم). أنه اختلاف يؤدي إلي الشورى , نيل الحقوق , الحريات و المساواة في الكلمة والقول و العمل٬ أنه اختلاف يؤدي إلي الاجتهاد المحمود فقد قال الامام الشافعي " رأي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب". فالتعددية في الإسلام لا تعني الفرقة ، فالافتراق في الدين مذموم وما الأمة المسلمة إلا منفذة لأحكام الشريعة الاسلامية٬ و إنما تعني تعدد الرأي و المشورة و الفكر. ولذلك كانت المعارضة في الاسلام إنما تعبر عن الإثراء في الرأي و المشورة. فالمعارضة في اللغة من فعل عرض ،وعرض يعني ظهر و بدأ و لم يدم .فالأمر العارض هر خلاف الأصلي أو الجوهري أي أن الأصل في الإسلام هو الوحدة٬ فإذا ما وُجد أو أستجد أمراً لا يكون العرض و المعارضة هو الأصل ،و إنما التعارض في الآراء للوصول إلى الاتفاق و الوحدة ، وهو الأصل.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلي تحريم التحالف (الأحزاب)حتى لا تسود النزاعات في المجتمع المسلم ،و سندهم في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا حلف في الإسلام إلا حلف الفضول فلو دعتني قريش إلي حلف مثل هذا للبيته". فالمعارضة في قراءات بعض المفكرين و الفقهاء تعرض وحدة الأمة المسلمة للاضطراب و النزاع و بالتالي المعارضة تعرض الإسلام لثغرة الانقضاض عليه من أعداء الخارج بما يسمى الان "بثقافة الاستقواء بالخارج". وهذا القول يشوبه القصور في نظرة هؤلاء٬ فالمعارضة الحقيقية في الإسلام هي الاثراء في المشورة في أمر ما  أستجد على الأمة التي لابد وأن تصل فيها إلي اتفاق يحفظ وحدتها ومصالحها الاستراتيجية٬ و أما ما سبق من ذلك القول ، فهو المصلحة الذاتية لكل حزب ،وليست المعارضة في المفهوم الاسلامي. أن ما حدث مع المسلمين بالضبط٬ ما تنبه له الغرب من نهضتهم٬ فالملاحظ في برلماناتهم أن السلطة   و المعارضة لا يختلفان في الجوهر، وفي استراتيجيات و مصالح دولهم٬ فهي من المحرمات وصراعهم في الوصول إلي السلطة هو تكتيك و صراع مصلحة لتحقيق الاستراتيجيات الموضوعة لدولهم و المحققة لهويتهم و مكانتهم٬ لذلك يتنازل الطرفان طواعية عن الحكم للآخر دون إراقة دم واحده٬ فالغرض الأساس هو مصلحة النظام والدولة٬ وما الانقضاض الذي يتم بينهما إلا في التكتيك و في إقناع شعوبها ببرامجها لتحقيق مصلحة و رفاهية هذه الشعوب. و من هنا تتحقق عملية الديموقراطية على أصولها و بحذافيرها.
على حين أن في الدول الاسلامية لم يعكس مفهوم المعارضة أصل هويتها و عنوانها أنها أمة وسطا٬ إن اختلفت فاختلافها رحمة لا فرقة ، فالحاكم يعتبر أن هذا الاختلاف مصلحة  يتم  به تمديد عمره الافتراضي في الحكم. و المعارضة تعتبر أن العرض و التعارض الدائم هو الاستراتيجية ،فهي شوكة في جنب الحاكم لا يهنأ لها بال إلا بمعارضته. ولو عملت الاحزاب بما فيه الحزب الحاكم علي تقديم أفضل ما عندها و أفضل عناصرها ممن يتصفون بالنزاهة و الصدق و التعاون و التسامح حتى يعمل الكل كفريق واحد لمصلحة الجميع٬  لكان خيراً لهذه الأمة فلا مصلحة تعلو فوق مصلحة الأمة.
 لقد نسيا  الطرفان أن السلطة السياسية إن هي إلا وسيلة لتحقيق غاية الاستخلاف  في الارض لتمكين الإنسان من عبادة الله حق عبادته وأعظمها عند الله  حفظ النفس وعزها ونشر الخير في ملكه،( فضاعت الفكرة وبقى الصراع المحموم على الحكم)

أثابكم الله يا أمة الإسلام إلى أين نحن ذاهبون ،وعلام تتقاتلون ، إن هي الا مغرم وليست مغنم .أفيقوا من غفلتكم و أعقِلوها.... إن الغفلة ضياع .