الأحد، 6 أكتوبر 2013

مقومات نجاح الحوار الوطني في اليمن - د. أشواق مهدي غليس



مقومات نجاح الحوار الوطني في اليمن
"رؤيةموضوعية وطنية"
يعد الاختلاف والخلاف بين البشر ظاهرة طبيعية وفطرية اقتضتها حكمة الخالق عز وجل، ولذلك يجيز الاسلام الاختلاف المحمود بين المسلمين وفق الضوابط الشرعية في الحكم وفي شئون الحياة المختلفة، الا أن الاختلاف بين المسلمين قد يخرج عن مساره الشرعي في بعض الاحيان بحيث يتحول  الى خلاف وشقاق فتعمى الابصار ويستولي الهوى على القول والنفوس ولذلك يعتبر الحوار ضرورة ووسيلة لضبط الاختلاف والخلاف ،وفي ابراز الجوامع المشتركة بين المتحاورين. وبدون الحوار تتسع النزاعات ويسود الصوت الواحد مما يزيد الخلاف تأججاً ويوسع من نطاقه.
وفي اليمن شكل الحوار السياسي الوطني بين السلطة الحاكمة والمعارضة السياسية احد الأساليب التي ساهمت في تجاوز العديد من الازمات المحلية، وفي التأسيس لثقافة الحوار  السياسي الوطني في تأريخ اليمن المعاصر. وكانت البداية الاساس في تشكيل لجنة الحوار الوطني وفقاً للقرار الجمهوري رقم 5 لسنة 1980م بغرض التوصل الى تفاهم مشترك بين كافة القوى السياسية في ذلك الوقت حول مضمون وصياغة مسودة الميثاق الوطني.
وفي مايو1990م تمت الوحدة اليمنية من خلال الحوار بين نظامي الحكم في شطري اليمن ،الا أن افتعال الازمات بينهما عصفت بالدولة الوليدة ليتوسع الحوار في اطار لجنة الحوار والتي ضمت تقريباً كافة الاحزاب والقوى السياسية في اليمن . وقد توصلت اللجنة في عام 1994م إلى وثيقة العهد والاتفاق ،الا أن عدم تنفيد بنودها ادى الى اندلاع الحرب ونتج عنها اَثار كارثية اقتصادية وسياسية واجتماعية لازال اليمن وشعبه يعاني منها حتى الوقت الحاضر.
أن خروج القوى السياسية من المشاركة في الحكم آنذاك ، قد ادى الى ازدياد شقة الخلاف بينها وبين السلطة الحاكمة مما أدى الى تشكيل أحزاب اللقاء المشترك لتكوين جبهة للعمل معاً .وقد بدأت شقة الخلاف بينهما بصورة ملحوظة منذ العام2001 لتبلغ ذروتها خلال وبعد الانتخابات الرئاسية والمجالس المحلية التي تمت في العشرين من شهرسبتمبر2006م .كما ساهمت أحداث التمرد في محافظة صعدة والدخول في حروب ستة مع الدولة إلى تأكيد هذا التباعد وتعميقه ،الأمر الذي كان يقتضي ضرورة العمل على تضييق شقة  الخلاف من خلال مواصلة الحوار السياسي بين الطرفين والذي افضى الى التوقيع على وثيقة قضايا وضمانات وضوابط الحوار بين الاحزاب السياسية الممثلة في البرلمان في منتصف شهر يونيو2006م. وعلى الرغم أن هذه الوثيقة كانت تشكل خطوة هامة واساسية باتجاه تقريب وجهات النظر بين الطرفين حول القضايا المطروحة للنقاش ، الا أن تمييع المسائل وعدم جدية التنفيذ لإجراءات مسار الحوار بغرض تضييع القضايا من اطراف المصالح، ترتب عليه فشل التوصل الى حلول للقضايا مما ازداد الوضع سوءاً. وبوصول ثورات الربيع العربي المتعطشة للتغيير وتحسين اوضاع الشعوب سقطت معظم الانظمة الحاكمة، وإن كان هذا له قول اَخر ليس موقعه، الا أن ما حدث في اليمن من اتجاه للحوار متمثلاً في  القرار الجمهوري رقم (30) لسنة 2012م بإنشاء اللجنة الوطنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل استنادا إلى دستور الجمهورية اليمنية والمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية الموقعتان في 23 نوفمبر – 2011م واللتان تتطلبان عقد مؤتمر للحوار الوطني, دليلاً على الرغبة في تخطي الأزمة ، وإن كانت هناك اطراف تحمل تعنت وحدة في الطرح لقضاياها وتتمسك بكل اوراقها للضغط على الاَخر. ومن الطبيعي أن ترفع الاطراف من سقف مطالبها حتى تنزل إلى الحد الادنى ولكن يجب أن تعي أن اليمن لم يعد يتحمل المزيد من الازمات ، وأن عليها أن تغتنم سقفاً من المطالب الموضوعية يمكن أن تبلغه ويحقق المصلحة المشتركة لكل الاطراف وتوافقها ، وأن عليها اكتساب الخبرة من  فشل تجارب الحوار السياسي الوطني في اليمن (الاسباب والنتائج )،متمثلاً في وضع واعداد إطار فكري وعملي عام يتضمن استراتيجيات للأسس المتاحة والممكنة وبحيث يتوافق عليها الكل في حدود الممكن وهي تشكل في مجملها البيئة الملائمة لإنجاح الحوار، وأن عدم وجود هذا الإطار يجعل من الحوار عرضة للفشل ويساهم في ما يحدث اليوم من اوضاع غير مستقرة اقتصادياًوسياسياًواجتماعياً .
أن ما سيتوصل إليه مؤتمر الحوار الوطني من مخرجات سيتوافق عليه الجميع وستخرج الى النور-بإذن الله تعالى- هو من الضرورات العامة التي تستوجب أصلا الحوار كمبدأ اصيل في الفكر الاسلامي، ولذلك فأن أهمية وجود حوار سياسي وطني ناجح ومثمر في اليمن يرجع الى هذه الضرورات والتي تتمثل في جملة من التحديات والمشاكل الداخلية والخارجية ،الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي تواجهها اليمن ، والتي يتم التباحث فيها في مؤتمر الحوار الوطني ومعالجتها والتغلب عليها من خلال رؤية مشتركة لكافة الاطراف السياسية والاجتماعية تمثل دستور لليمن الجديد وهو المأمول منهم، وهذا يعني التوافق والتعايش الوطني بأن نقبل الاَخر ويتوافق الجميع على منظومة الحكم بعقد اجتماعي جديد يمثل هوية الدولة وقوتها وهيبتها وبما يحقق وحدة وطنية من خلال صياغة دستور يمثل هذا التوافق وهذا ما يجب ان تعمل عليه لجنة صياغة الدستور التي يجب ان تُختار بعناية يُراعى فيها التمثيل لجميع الاطراف السياسية، والتحلي بالإخلاص لله  اولاًثم لليمن ثانياً، والعدل والمساواة والعلم بالصياغات القانونية والرؤية لمقتضيات الامور والواقع والابتعاد عن التعصب.
أن أهم عقبة واجهت مؤتمر الحوار الوطني أن عناصره من المتحاورين لم يتحلوا بأهم أسس الحوار الوطني وهو الابتعاد عن التعصب والتجرد من كافة المؤثرات الجانبية ،حزبية كانت او طائفية او مصالح ذاتية ،فقد ذهب المتحاورون وهم يحملون قناعات وتحيز مسبق  بما يحمله من مواضيع ، مما ادى الى كثرة المنازعات التي سادت لغة الحوار ،والتأخر في الجدول الزمني المعد لمؤتمر الحوار الوطني، الأمر الذي أفقده المصداقية لدى كثير من قطاعات الشعب العريضة، كل يفسر في ما يحدث بما يهواه ،خصوصاً وان المخرجات لم تخرج الى النور. ولو تحلى المتحاورون في مؤتمر الحوار الوطني بأهم اسس الحوار السياسي من منظور اسلامي لكان خيراً لهم وتتمثل في : - الاخلاص  لله تعالى والتجرد له، ثم لليمن وحده دون الولاءات الاخرى
-الاتصاف بالعدل والانصاف بين المتحاورين فالعدل هو القيمة العليا في الاسلام وعاملاً رئيسياً من عوامل نجاح الحوار
- المساواة بين المتحاورين والاحترام المتبادل والاعتراف  بالآخر وبشراكة حقيقة في السلطة والثروة والمواطنة المتساوية بحيث يشعر كل مواطن أن من حقه أن يشارك في العملية السياسية مما سيؤسس لمرحلة استقرار في اليمن
وعلى الرغم من اتباع مؤتمر الحوار الوطني لضوابط الحوار من حيث تحديد المواضيع، فقد تم تحديدها بتسع ، وهذه مسألة منهجية حتى لا يتحول الحوار الى نوع من الجدل العقيم وعدم الوصول الى اتفاق  حولها ،وبالتالي كان لابد من ضبطه في جدول زمني والزام المتحاورين به لكن عدم التوصل الى اتفاق على  بعض المواضيع  وخروج البعض من الحوار ثم عودتهم اليه مؤخراً قد عمل على تأخر المخرجات ، الامر الذي يعكس شدة الولاء للقناعات المسبقة وتضخيم المسائل الفرعية على حساب المسائل الوطنية الكبرى.
ويركز الضابط الثاني من الحوار على تحديد الهدف من الحوار الذي  يسعى المتحاورون الى تحقيقه ، فلو يعمل الجميع على ابراز الجوامع الوطنية، بدلاً من رفع سقف مطالبهم ،من تعزيز وتقوية للدولة كوحدة وطنية  يتساوى فيها الجميع من اجل تحقيق ضمان المخرجات.
ويتمثل الضابط الثالث في تحديد معاني المصطلحات والمفاهيم التي يتم استخدامها ،ولا ينكر المجتمع اليمني وبالذات المثقفين منهم ،ان من شارك في مؤتمر الحوار الوطني كان بعضهم على مستوى عالي من الثقافة والوعي والعلم ، ولكن ايضاً كانت قناعاتهم وانتماءاتهم حاضرة، تمثل الحاجز الاكبر في تخطي الصعوبات، بل العكس ما كان يحدث  من تجاذبات واصرار على الرأي الواحد ومصلحة الجهة التي يمثلها ، تجعل من الوصول الى اتفاق أمر بالغ الصعوبة. وما قاله نائب مبعوث الامم المتحدة جمال بن عمر كان اكبر مثال يعبرعن هذه الحالة، فلم يكن الخروج من ازمات المشهد السياسي بحلول واقعية هو الاساس في الحوار بقدر ما كان الإصرار والتعنت للمواقف هو المشهد المعبر عن الحالة وهو ما يمثل بالضبط ، الضابط الرابع  في الحواروهو تحديد المرجعية والثوابت المتفق عليها. فلم يكن المشهد معبراً عن الثوابت الاساس في يمن واحد مستقر وديمقراطية حقيقية وقانون يضبط الجميع وعلى قدم المساواة، بقدر ما كان مواقف على الارض تعزز الاختناقات وتفرض القوة كآلية ضغط لتمرير  اللامعقولمن المطالبات، ولا يعني هذا انكار حقهم في عدم الضغط بكل أوراق اللعبة السياسية ولكن الى متى سنظل نتجاذب دون ما طريق نسلكه ونبلغ مأمنه.أن ما نحتاجه في هذه المرحلة الحرجة، هو التكافل والتعاون في اخراج مخرجات الحوار الوطني الى النور ليعلم بها الشعب اليمني بكل شفافية ،والعمل على تنفيذ الياتها والقدرة على ذلك، فهذا الذي يحمي البلاد من الانزلاق، وهذا هو الضابط الاخير في إدارة الحوار الوطني، لان ما نحتاجه هو النية الحقيقية والسليمةلتنفيذ القواعد والاسس والاجراءات التي تم الاتفاق عليها بجدولة زمنية محددة، ليخرج دستور اليمن الجديد الى النور ليحمل الأمل لهذا الشعب المثقل بالهموم.أن مشكلتنا في هذا الوطن هو ذلك البعيد في دواخلنا، الضمير الذي تفصٌله القوى السياسية بحسب مقاسها ، فهي تناضل من اجل قضاياها الضيقة المحصورة، وليست من اجل وطن بأكمله . علينا بالخروج من هذا النفق المظلم . لذلك  يتحتم على المكونات السياسية ان تتحمل مسئوليتها التاريخية بضمير،بإخراج  نتائج نوعيةوتاريخية ترتقي الى تحكيم لغة العقل والمنطق بمستقبل أفضل لكل اليمنيين ، ولا نترك فرصة لأي هيمنة منفردة للعبث بمقدرات  اليمن شعباً وارضاً ، بل دعوة الكل في المشروع الوطني الحضاري للمشاركة فيه .فالخروج من أزمات المشهد السياسي الحالي لن يكون الا بتوافق جميع الاطراف، لا من خلال المصلحة المنفردة لأي حزب أوقوى سياسية ولكن من خلال مصلحة اليمن ككل.
أن الحوار الوطني لن يكون مثمراً الا بتنفيذ آلية زمنية لكل القضايا ، قضايا الشباب ، القضية الجنوبية،قضية صعدة ، القضية التهامية ، قضايا الديمقراطية والمواطنة وسيادة القانون والجيش. ولكن بما لا يكون من المنظور القسري ولي الدراع للدولة والحكومة ، لابد ان يكون هناك توافق ورضا من جميع الاطراف بالمأمول والواقع والتوازن بينهما .
أن اليمن الجديد بكل ما يطمح له من تطلعات لا يملك العصا السحرية لتحقيق كل المأمول ، ولذلك الأمل كل الامل معقود بجميع الاطراف ، أن تتنازل عن سقف مطالبها المرتفع بما يحقق الطموحات المقدور تحقيقها ، والاهم  من هذا دعم وارساء وتثبيت حياة سياسية حقيقية قائمة على الديمقراطية والتعددية السياسية وسيادة القانون والمواطنة المتساوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق