الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

الاسلام وتصور السلطة السياسية

الإسلام و تصور السلطة السياسية
                                                                           د . أشواق غُليس
أن مفهوم السلطة السياسية في الإسلام إنما يرتكز على المفهوم المطلق للسلطة كمفهوم رئيس٬ نابع من أن السلطة في مفهومها العام هي ملك لله سبحانه و تعالى. وهي سلطة على الكون كله. وأن السلطة السياسية كمفهوم فرعي، ليست سلطة  إلهيه كهنوتية ،إنما هي سلطة أساسها مفهوم الإستخلاف على الأرض الذي حثنا عليه القران الكريم٬ لعمران الأرض والرقي بالإنسان  إلي أعلى المراتب في الوجود٬ فجعل مسألة الكرامة فطرة مجبولة في الأنسان ،وجعل الحاكم أميناً عليها وعيناً حارسة لراحة الأنسان ومقيماً للعدالة وعمران الأرض ومنفذاً للشرع.وهي بهذا سلطة منفذة لأحكام الشريعة، مدنية المؤسسات  بحسب مقتضيات الزمان والمكان . وعلى اساس ما سبق فسلطة الحاكم تتأسس على مضمونين؛ مضمون عقائدي يتمثل في إن المسائل السياسية بما فيها السلطة السياسية هي من فروع الإسلام و ليست من أصوله و بالتالي شكل السلطة و ممارستها ليست من الأمور الحدية التي لا يتم الأمر إلا به. وبهذا المعنى يصير من حق الحاكم والمحكوم معاً أن يديرا السلطة بالطريقة التي تعمل على تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية و مقاصد الشريعة وتحقيق الشورى و العدل و المساواة و الحرية و كل المبادئ الإسلامية ولذلك فإن من يقولون أن الديموقراطية حرام يشوب فكرهم القصور، فقد حدثت مستجدات في الزمان والمكان٬ أختلف فيه العصر النبوي عن الراشدي  والأموي والعباسي٬ فما بالنا في هذا الزمان و المكان ولذلك فأي ممارسة لشكل الحكم في الحدود التي تطبق فيها أحكام الشريعة الإسلامية فهي صحيحة و وسيلتها أيضا صحيحة. فالديموقراطية ماهي إلا آلية للتعبير عن الشورى في جانبها السياسي و أن التعبير الحقيقي عن شرعية الحاكم إنما يكون في التزام الحاكم بالشريعة  الإسلامية في جوانبها المتعددة الحكمية و التشريعية بمعنى ضرورة اتفاق كافة القوانين الحاكمة مع مقاصد الشريعة الإسلامية و أحكامها، وأن هذا الاتفاق يُعبر عنه ممارسة الأليات المنفذة لتلك القوانين المُتفق عليها بالأساليب الديموقراطية. وأما المضمون السياسي لمفهوم السلطة السياسية فيتمحور حول مفهوم الأمة التي هي الأساس الأول في تصور الحقيقة السياسية "السلطة السياسية"٬ في شرعية وجودها في الحكم و في شرعية استمرارها ،ولن يشعر الحاكم بالأمان والاستقرار في حكمه إلا برضا الأمة و شرعيتها الدامغة لقراراته، وأن العالم كله لو أستعداه ما أستطاع أن ينال منه شعرة واحدة وما أستطاع أن يزيحه عن كرسي الحكم قيد أنملة٬ لوكان رضا الأمة هو أساس حكمه٬ والصدق و العدالة و الحرية والمساواة والشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مبادئ أساسية في حكمه.
أن مصداقية الحاكم لشعبه تتمثل في؛ صدقه و أمانته معهم وفي أخذ مشورتهم و نصحهم٬ وفي مراعاة مالهم العام٬ و عدم احتجابه عنهم و سعيه الحثيث في حب شعبه واحترام و صون كرامته٬ وهذا إنما يتمثل في التالي :ـ  مشاركة كل الأمة في توزيع السلطة و الثروة فلا تكون حكرا علي جهة أو فئة أو طائفة واحدة على حساب الأخريات وإنما يكون المعيار بحسب الكفاءة والأمانة في العمل٬ فإن ظهر عكس ذلك يتم استبدالهم بكفاءات فاعلة٬ لا بإعادة تدويرهم في دائرة أخرى ومن مكان لآخر، وتظل الأمة في حلقة مفرغة٬ بالضبط مثلما يحدث مع المنتج الذي يتم استخدامه مرة واحدة ثم يعاد تدويره وإنتاجه.       ـأن يعمل على إنشاء مؤسسات جديدة تدعم وتقوي و تفعل من اداء المؤسسات السابقة وترسي قواعد قانونية تنمي المجتمعات الاسلامية و ترفع شأنها.                                                                                                                 -أن يعمل علي صرف الموارد المالية بطريقة عادلة تجعل الشعب راض عن أدائه.
-مراقبة الأمور عن قرب و ترقب والانقضاض على كل من يتلاعب و يتهاون في حق الأمة و مقدراتها (الشفافية) فعلى الحاكم أن يعي أن الثقة التي تنشأ من العلاقة الصادقة بينه و بين الأمة إنما تبنى من انفتاح الحاكم على أفراد شعبه و عرض كل الأمور أمامهم بوضوح و شفافية ،و على الأمة مجتمعة (ليس فقط، حزبه، قبيلته، عشيرته، اقاربه) ،أن تبادله هـذا التفهم وتستوعبه و تقف إلي جواره و تعمل على مساندة كل الخطط و القرارات التي يجب عليهم جميعا  تنفيذها  معاً.
-أن عدل الحاكم يقتضي منه تنفيذ الحدود الشرعية بكل حزم (قضاء عادل والكل سواء امام القانون) فهذا يحفظ الأمن والأمان و الاستقرار٬ بل لابد أن يمتد عدله ليشمل الجانب الوقائي وهو معرفة الحلال و تيسيره و معرفة الحرام و سد منافذه.
-علي الحاكم و المحكوم الحكومة والاحزاب و المنظمات، عليهم جميعا أن يعوا أن الشعب كله بجميع فئاته و مناطقه و مذاهبه أنما هم تحت أمرة الحق و عدل الحاكم٬ يسوسهم كما يسوس الأب العادل أبنائه لا يفرق بين أحد منهم ولا يستقوي بأقاربه    وعشيرته و حزبه على الاطراف الأخرى. فالديموقراطية ابدا لن تكون مجالا للأحقاد و التطاحن بين أبناء شعبه اذا ما ساوى بينهم و مورست عملية الديموقراطية في الاتجاه الصحيح٬ و هذا لن يكون إلا بالقدرة على إدارة الشأن السياسي. فالأمة قد  عقدت بيعة التفويض للحاكم في إدارة الشأن السياسي ،وهو يعني القدرة على صنع القاعدة الشرعية "القرار السياسي". فالآية الكريمة تعبر عن هذا الأمر ،بقوله تعالي "و إذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلي الرسول و إلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم "النساء 83. فالآية هنا تنسب مهمة الاستنباط "الاجتهاد" أي صنع القرار السياسي إلي أولي الأمر ولا يعني هذا أن يكون الفرد المطلق و لكن لمجموع الأمة وهو ما يسمى الان بالمفهوم المؤسسي مجلس النواب" البرلمان" وهذا هو ما يحقق رضاء الأمة تطييباً لقلوب أفرادها ممن تتوافر فيهم الكفاءة و العلم بمقتضيات الأمور و النزاهة بحيث يتحقق في المؤسسة التي من تكامل تخصصاتها العلمية المتنوعة؛ شرعية٬ فنية٬ تخصصية٬ وتقنية٬ يتحقق مفهوم المجتهد الفرد الذي يعمل علي صنع القرار "القاعدة القانونية". بمعناه الأصولي المسمى "بالإجتهاد "و الذي هو تفاعل بين كافة المشاركين في تقرير السياسات العامة العاجلة والآجلة و التي ترتبط بالمصالح العامة. وهذاما يقوم به ممثلوا الأمة في مجلس النواب من فقهاء وعلماء و نواب أفراداً و جماعات باستنباط  قواعد قانونية  وتنفيذها وفق القران والسنة و ما يوافق مقتضي العقل وهو ما يطلق عليه القياس. ومن هنا وجب على الحاكم العادل أن يتحقق ممن تتوفر فيه شروط صانع القرار وممثل الأمة في صنع القواعد القانونية باعتبارها أهم وظيفة من وظائف النظام السياسي وتتمثل في شرطين اساسيين؛         -أن يجمع صانع القرار بين العلم بالأحكام الشرعية و العلوم المعاصرة الحديثة بالإضافة  إلي القدرة علي الرؤية المستقبلية المسماة  " بفقه المألآت " حتى يتمكن من استنباط الأحكام من نصوص الوحي للوقائع المتجددة و المصالح المتغيرة و علاقات القوة.
-تحصيل الخبرة الفنية وهو علم يتعلق بالمصلحة و فن السياسة ،التي تتطلب معرفة الواقع والظروف و المشكلات وعلى اساسها تُتخذ القرارات.
أن هذين الشرطين في تحديد القدرة على اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بالأمة إنما ارتبطا أساسا بمسألة الأمانة و العدالة فقد قال تعالى " إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الأنسان إنه كان ظلوما جهولا"الأحزاب72، وقال تعالى "واذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"النساء58
ولما كتب على الأمة المسلمة الشهادة و الوسطية و أمانة الاستخلاف ، مكنها الله تعالى من ان تكون صاحبة السيادة و السلطان فقد قال تعالى "و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيدا"البقرة143. وقال الرسول صلى الله عليه و سلم "لا تجتمع امتي على ضلالة" فكان لزاما على الأمة أمانة اختيار من ينوب عنها ممثلا في حاكم أو نواب أو موظفي عموم ,و أمانة مراقبة عملهم و أدائهم للسلطة.
أن هذه الإنابة  لم تكن يوما نيابة مصلحة للحصول على السلطة و إنما هي نيابة شرعية مصدرها نص قرآني يقول الله تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلي الخير ويأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هو المفلحون" آل عمران104.اذن هناك الوسطية التي تعني العدل و الاعتدال٬ فالعدل ضد الجور و الظلم وهناك التأمر بالمعروف و التناهي عن المنكر وهما من الصفات التي يجب أن يتقلدها صانع القرار و صاحب السلطة .
أن وسطية الحاكم تعطيه المصداقية بين أفراد الأمة أنهم لن يضاموا أبدا وبين أظهرهم حاكم عادل يأمر بالعروف و ينهي عن المنكر. و من هنا وجبت الطاعة للحاكم ظاهرا و باطنا مادام مؤديا قائما بحق الله و حق الرعية فقد قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولي الأمر منكم"النساء59 فالطاعة واجبة لأولى الأمر (منكم ) يا أمة الإسلام ما داموا طائعين لله و للرسول. و الطاعة تستوجب الرضا و الاتفاق وتستنفر الاختلاف المذموم٬ على الرغم من أن الاختلاف مطبوع في الفطرة. فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " اختلاف أمتي رحمة". إلا أنه اختلاف يؤدي إلي الاتفاق والوفاء بمقتضيات العقد بين الحاكم و المحكوم٬ و اختلاف القوة في أداء الحقوق و الواجبات و ليس القوة مقابل الضعف (امتلاك الحاكم لمصادر القوة مقابل ضعف المحكوم). أنه اختلاف يؤدي إلي الشورى , نيل الحقوق , الحريات و المساواة في الكلمة والقول و العمل٬ أنه اختلاف يؤدي إلي الاجتهاد المحمود فقد قال الامام الشافعي " رأي صواب يحتمل الخطأ و رأي غيري خطأ يحتمل الصواب". فالتعددية في الإسلام لا تعني الفرقة ، فالافتراق في الدين مذموم وما الأمة المسلمة إلا منفذة لأحكام الشريعة الاسلامية٬ و إنما تعني تعدد الرأي و المشورة و الفكر. ولذلك كانت المعارضة في الاسلام إنما تعبر عن الإثراء في الرأي و المشورة. فالمعارضة في اللغة من فعل عرض ،وعرض يعني ظهر و بدأ و لم يدم .فالأمر العارض هر خلاف الأصلي أو الجوهري أي أن الأصل في الإسلام هو الوحدة٬ فإذا ما وُجد أو أستجد أمراً لا يكون العرض و المعارضة هو الأصل ،و إنما التعارض في الآراء للوصول إلى الاتفاق و الوحدة ، وهو الأصل.
وقد ذهب بعض الفقهاء إلي تحريم التحالف (الأحزاب)حتى لا تسود النزاعات في المجتمع المسلم ،و سندهم في ذلك قول رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا حلف في الإسلام إلا حلف الفضول فلو دعتني قريش إلي حلف مثل هذا للبيته". فالمعارضة في قراءات بعض المفكرين و الفقهاء تعرض وحدة الأمة المسلمة للاضطراب و النزاع و بالتالي المعارضة تعرض الإسلام لثغرة الانقضاض عليه من أعداء الخارج بما يسمى الان "بثقافة الاستقواء بالخارج". وهذا القول يشوبه القصور في نظرة هؤلاء٬ فالمعارضة الحقيقية في الإسلام هي الاثراء في المشورة في أمر ما  أستجد على الأمة التي لابد وأن تصل فيها إلي اتفاق يحفظ وحدتها ومصالحها الاستراتيجية٬ و أما ما سبق من ذلك القول ، فهو المصلحة الذاتية لكل حزب ،وليست المعارضة في المفهوم الاسلامي. أن ما حدث مع المسلمين بالضبط٬ ما تنبه له الغرب من نهضتهم٬ فالملاحظ في برلماناتهم أن السلطة   و المعارضة لا يختلفان في الجوهر، وفي استراتيجيات و مصالح دولهم٬ فهي من المحرمات وصراعهم في الوصول إلي السلطة هو تكتيك و صراع مصلحة لتحقيق الاستراتيجيات الموضوعة لدولهم و المحققة لهويتهم و مكانتهم٬ لذلك يتنازل الطرفان طواعية عن الحكم للآخر دون إراقة دم واحده٬ فالغرض الأساس هو مصلحة النظام والدولة٬ وما الانقضاض الذي يتم بينهما إلا في التكتيك و في إقناع شعوبها ببرامجها لتحقيق مصلحة و رفاهية هذه الشعوب. و من هنا تتحقق عملية الديموقراطية على أصولها و بحذافيرها.
على حين أن في الدول الاسلامية لم يعكس مفهوم المعارضة أصل هويتها و عنوانها أنها أمة وسطا٬ إن اختلفت فاختلافها رحمة لا فرقة ، فالحاكم يعتبر أن هذا الاختلاف مصلحة  يتم  به تمديد عمره الافتراضي في الحكم. و المعارضة تعتبر أن العرض و التعارض الدائم هو الاستراتيجية ،فهي شوكة في جنب الحاكم لا يهنأ لها بال إلا بمعارضته. ولو عملت الاحزاب بما فيه الحزب الحاكم علي تقديم أفضل ما عندها و أفضل عناصرها ممن يتصفون بالنزاهة و الصدق و التعاون و التسامح حتى يعمل الكل كفريق واحد لمصلحة الجميع٬  لكان خيراً لهذه الأمة فلا مصلحة تعلو فوق مصلحة الأمة.
 لقد نسيا  الطرفان أن السلطة السياسية إن هي إلا وسيلة لتحقيق غاية الاستخلاف  في الارض لتمكين الإنسان من عبادة الله حق عبادته وأعظمها عند الله  حفظ النفس وعزها ونشر الخير في ملكه،( فضاعت الفكرة وبقى الصراع المحموم على الحكم)

أثابكم الله يا أمة الإسلام إلى أين نحن ذاهبون ،وعلام تتقاتلون ، إن هي الا مغرم وليست مغنم .أفيقوا من غفلتكم و أعقِلوها.... إن الغفلة ضياع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق