الأربعاء، 25 سبتمبر 2013

خواطر في حب اليمن .. عودة للاندماج

 إنّ ولاء الأفراد في أي مجتمع يُعتبر أحد مؤشرات الاندماج القومي في المجتمع الذي يتمتع بدرجة عالية من الاندماج يدين أفراده بالولاء المطلق للدولة، وهذا يرتبط بالثقافة السياسية.

 فالمجتمعات التي تسودها ثقافة سياسة تقليدية يغلب ولاء أفرادها على الأسرة أو الجماعة أو القبيلة أو الحزب، وهو ما يسمى بالولاء المحلي أو الفرعي.

 وقد تجذّر هذا الولاء في ثقافة المجتمع اليمني منذ مئات السنيين، فاكتسب الولاء صفة المحلية لا القومية (الدولة)، فظهر هذا جلياً في السمة الثقافية للشعب اليمني في شطري الوطن.

في جنوب اليمن على الرغم من وجود مظاهر دولة في عهد الاحتلال البريطاني، وإن كانت هشة المعالم متمثلة في صورة الاحتلال، وفي وجود سلطنات في خارج مساحة عدن الصغيرة، والتي كان يتحكم بها سلاطين يعينون الاحتلال على حل المشاكل إن استجد أمر ما عصى المحتل، فاكتسب الولاء صفة الانقسام بين المحتل وبين السلاطين آنذاك.

وعندما رحل الاستعمار البريطاني عن جنوب الوطن كان من الطبيعي أن يُخلف وراءه عدد من المشكلات من بينها أزمة عدم الاندماج القومي وحتى المحلي بعد أن غذاها وعمل على ترسيبها في النفوس عندما سلم الجنوب للجبة القومية ذات الانتماء الاشتراكي إتباعاً لسياسة "فرق تسد"، على الرغم من علمه التام أن في شمال الوطن اتجاه ليبرالي موافق لانتماء وولاء دول الجوار للغرب، مما أوجد تطوراً جديداً للهوية المحلية الضيقة لكل شطر . ففي جنوب الوطن عمل الحزب الاشتراكي جاهداً على توحيد المجتمع من محورين؛ إخضاعه لنمط حياة روتينية، مشتركة، وغرس قيم ومبادئ اشتراكية من خلال التثقيف الاشتراكي .

وفي شمال الوطن، على الرغم من التخلص من نظام الإمامة إلا أن التشبث بقيم المجتمع القبلي وعلاقاته بالجوار أوجد نظاماً مغايراً تماماً لنظام الجنوب في أيديولوجياته وتوجهاته مما ساعد على غرس ثقافة شرطية، أدخلت اليمن في حروب على مدى ثلاثة عقود من الزمن ناهيك عن المصالح الضيقة للحكام في الشطرين، بيد أن هذه العوامل الهادمة لم تقض على مشاعر الهوية اليمنية الموحدة لدى موطنين اليمن في الجنوب والشمال . فأهالي الشطر الجنوبي كان أغلبهم ينتمون إلى القرى الصغيرة في الشمال، وفي الشطر الشمالي كان كثير منهم قد حل بعد أن هرب من أوضاع الجنوب، فسارع الكل إلى مباركة الوحدة الوطنية .

وعلى الرغم من صراع طرفي السلطة في الدولتين لبسط السيطرة، والذي أدى إلى حرب 94 التي لم تمنع جنوب الوطن من مساندة الوحدة الوطنية والسير قدماً في تثبيتها، لكن ما حدث بعد ذلك أن الفساد والظلم الذي طال أهل جنوب الوطن من إقصاء وتهميش لكوادر متخصصة في الجيش ومدربة تدريباً عالياً، وفي كثير من المجالات الحيوية التي أحالوها للتقاعد، وتوزيع غير عادل في المناصب والمؤسسات الدستورية، وبسط السيطرة على أراضِ واسعة، وعقود شركات بترول بملايين الدولارات انصبت في بطون شركات تعود ملكيتها لأفراد في شمال الوطن، وهي موارد يعتبر أهل جنوب الوطن أنهم الأحق بها؛ لأنها في أراضيهم ولم ينتفعوا بها ولم يحققوا الرفاهية التي كانوا يطمعون العيش فيها في دولة الواحدة التي سعوا إلى مساندتها وحمايتها، وما كان هذا أن يحدث إلا تحت مظلة دولة الوحدة اليمنية، مما افقد المواطن في الجنوب ثقته فيها، وفي تنفيذ أي قرار يُتخذ من صانع القرار .

ومن باب الأمانة القول إن الشطر الشمالي من الوطن عانى أيضا من الفساد والظلم الاجتماعي والتفاوت الرهيب بين الطبقات، فلم نعد نرى الطبقة المتوسطة، حيث طُمست، فصار على مرأى العين فقر شديد وغناء فاحش، الأمر الذي أوغر قلوب اليمنيين في الشطرين، وإن كان الشطر الجنوبي يشعر بتفاقم معاناته، فقد كان يعاني في السابق ولم يحقق المأمول في الحاضر، خصوصاً وشعوره أن موارده ومقدراته النفطية والمائية لم يُعد هو المستفيد منها، وإن ما حدث من تقديم مشروعات في الطرقات والمباني، المستفيد من عائداتها كان أيضا مستثمرو الشطر الشمالي، وأن حياته لم تزد إلا فقراً مع زيادة الغلاء وارتفاع الأسعار التي لم يكن يلاحظها في السابق، وأن ما حدث من رفاهية براقة تمثلت في مشاريع التسوق لم تزده إلا استهلاكاً وفقراً وحرماناً حتى من القدرة على التسوق .

هذا الشعور بالغبن والمعانات من قبلهم أدى إلا التحول عن فكرة الاندماج والولاء للدولة الموحدة الوليدة إلى ظهور ما عُرف بالحراك الجنوبي الذي تغذيه مصالح وقوى مستفيدة، وناس خلطت معاناتها مع مصالح هذه القوى .

إلا أن ما يثلج الصدر ويهوّن الأمر على الشعب اليمني المثقل بالهموم أن النزعات الخاصة ذات الميول الانفصالية قاصرة على جماعات معينة، والتي تعبر عن ثقافة فرعية وليست ثقافة جامعة شاملة لفئات المجتمع اليمني، مما يستدعي بالضرورة أن يحدث اندماج ثقافي يحول التعدد الثقافي في اليمن إلى تنوع وتجانس ثقافي عالي الدرجة، وهذا لن يحدث إلا بحل مشاكل التعدد الثقافي وأهمها :
- غياب العدالة الاجتماعية التي يعاني منها جنوب الوطن .
- مدى وجود قيم ومعايير سياسية واحدة في إطار المجتمع اليمني ككل والتي يشكو منها المواطن في جنوب الوطن .
- وجود فجوات ثقافية بين النخبة من شمال اليمن والمواطنين في جنوب اليمن .

إن مثل هذه المشاكل تنعكس سلباً على التوصل إلى الاتفاق في الأهداف والوسائل التي يجب على النظام السياسي اليمني العمل على تحقيقها، والتي يشعر المواطن في جنوب الوطن أنه لم يحصل على أي منها، وأن الداء يكمن في عدم وجود قيم ومعايير سياسية واحدة تتمثل في وجود مؤسسات سياسية قوية وآليات تعمل على سن قوانين ملزمة تلزم الجميع بها، وعلى قدم المساواة. وأن تكون هناك إرادة عامة وطنية ترغب حقيقة في حوار وطني يزيل كل المشاكل المعوقة لاستمرار دولة مثقلة بتبعات سياسات ضيّقة تنم عن مصالح جهات وفئات لا يهمها هذا الشعب الذي يرزح تحت الظلم لسنين طويلة. وأن تتخذ إجراءات عملية لتثبيت الرؤى والأفكار وتنفيذها، والتي تدعم بقاء وتنمية اليمن الموحد:

1-  لا بُد من اتفاق الجميع على إرساء ودعم مؤسسات سياسية قوية قادرة على كسب ولاء المواطنين واكتسابها شرعية ذاتية.
2-  إيجاد آليات لتطبيق القانون على الجميع وعلى حد سواء، وهناك عدد من الإجراءات التي لو طُبّقت ستعمل على نجاح السياسات التي ستدعم استمرار وتنمية دولة الوحدة.
3-  تدعيم هذه الرؤى في منظومة متكاملة من السياسات والإجراءات وطرق حماية هذه السياسات.
4-  الشفافية فيما يخص هذه المنظومة حتى يعلم الجميع حقيقة ما يجري فعلياً من إنجازات أو من مؤامرات - إن وجدت- بعد ذلك لإعادة الإيمان والثقة بالوحدة اليمنية.
5-  التوقف عن التهديد بالنزعات الانفصالية واستغلال ورقة الحراك الجنوبي من أجل الضغط لتنفيذ الرغبات والطلبات المستحيلة.
6-  محاولة الجميع لتحقيق التوازن بين واقع الوحدة ،الذي لا سبيل إلى تغييره مهما سيكلف من تضحيات، وبين الأماني والمطالب المأمولة من قيام الوحدة اليمنية، والتي لا بُد أن تتركز في أهم المسائل، وهي الإصرار على قيام مؤسسات سياسية قوية تحقق العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتُرسي القواعد القانونية الملزمة للجميع.

بهذا وحده فقط يجب أن يتفق الجميع عليه، حتى يخرج حوار اليمنيين من عنق الزجاجة إلى طريق يملأه الخير...
يا أهل اليمن أحبوا يمنكم....كفاه عذاباً.

المصدر أونلاين

طباعةإرسال

 109 
  3  0 Google +10 
 

تعليقات القراء

1- صنعاء

لطيفة عبدالله
صحيح كلامك يا دكتورة ,حيث مازال الكثير في اليمن متعلقين بالولاءات العائلية والأسرية " أي الولاء مادون الدولة " إلى جانب النزاعة المناطقية ..والآن ظهر النزاعة المذهبية الغريبة على المجتمع اليمني..كل هذا أدى إلى ضعف الدولة ودورها ...

شارك برأيك

لديك 1000 حرف لكتابة التعليق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق